واقع القرى الفلسطينية المندثرة عام 1926

 

 

4541552308

 

انتَكبوا قبل النكبة

” لم تكن قريتنا قرية في نظري . كانت اكبر من ذلك ، فما زِلت اتذكر المدرسة الصغيرة  التي تمنيت ان  ادرس فيها  . فانا أُمي،  كنت من ضمن الابناء الخمسة الذين اختارهم ابي لكي نفلح في الارض ، فبِهاتَين اليدان زرعت الوادي الكبير فولاً لوحدي . وبَعد الحصاد كنا نحمل  الغَلة ــ اي المحصول ــ الى خِربة ذِهنة مرورا من خِربة حِبرة . ماذا اقول ايضا ؟ فلم تكن قريتنا قرية  “

هكذا بدا يروي الحاج عبدالله موسى من قرية الدوايمة المدمرة قضاء الخليل حكايته لمقابلة خاصة بالارشيف الفلسطيني في جامعة بيرزيت . و بالطبع كل حكاية تحكى عن احداث النكبة هي فريدة من نوعها تحوي بجعبتها ما لا تحتويه حكاية اخرى ايضا عن النكبة ، فمن مأساة الهجرة الى مأساة اللجوء وحتى ذكريات الطفولة التي ما زال صداها يتردد في القرى المدمرة عام 1948 التي حل محل سكانها الاصليين مستوطنون اوروبيون يهود .

وكما وثّق التاريخ ، لم تكون القوميات اليهودية في الدول الاوروبية  مُرحباً بها ، فكانت الغيتوات ــ احياء اليهود في اوروبا ــ هي المكان الوحيد الذي يمارِس فيه اليهودي حريته . وخلقت المسألة اليهودية بعد ذلك في اوروبا ليصبح التفكير السياسي مُنصَب حول حل هذه المسالة . فكيف حُلت ؟

 

ارض بلا شعب !

وقبل ظهور ما يعرف بالخطر النازي على اليهود وفي ظل عدم قبول المجتمعات الاوروبية لهم ، تبدأ اولى هجرات اليهود الجماعية بعد التاكد من قيام جمعيات احباء صهيون بمساعدة بعض الشخصيات اليهودية البريطانية مثل ” موشي مونتوفوري ” بشراء الكثير من الاراضي الفلسطينية من إقطاعيين عرب لم يسكنوا فلسطين قط .

فكانت الهجرات على شكل دفعات استمرت 36 سنة وخلال هذه الاعوام تضعف السيطرة العثمانية على فلسطين وتعطى الجنسية الفلسطينية لليهود ليصبحوا مثل اليهود العرب وليس مستوطنون وبعد ذلك يظهر وعد بلفور لاعطاء فلسطين الارض الخالية من البشر ــ كما كذب بلفورــ   الى اليهود  . وبدا بالفعل حل المسألة اليهودية في اوروبا ، ولكن لم يكن التنفيذ في يوم نكبتنا فقط  ، فاين نام اكثر من 24 الف يهودي هاجروا عام 1882 الى فلسطين ؟

 

 

 

 

لم تعد  ملَبِس !

كانت اول هجرات اليهود قد وصلت الى يافا عام 1882 ، فلم يكونوا زوار بل كانوا مواطنون يحملون الجنسية الفلسطينية . عملوا في البداية في الاراضي الزراعية الخاصة باثرياء اليهود . وبعد 5 سنوات يطرد اهل القرية الفلسطينية  ملَبِس قضاء يافا من اراضيهم  ومنازلهم فلم تعد ملبس ملكا للاقطاعي العربي الذي باعها لليهودي البريطاني  مونتوفوري  لكي تقام على انقاضها اولى مستعمرات اليهودية الاوروبية والتي تعرف اليوم باسم ” بتاح تكفا ” .

ومن هنا لم تبدأ الهجرة الفلسطينية في عام 1948 بل يعود جذر النكبة الى ما هو اقدم . فبعد ملبس يحصل اليهود على قرية تل الشمام التي باعها ال سرسك للصندوق القومي اليهودي الذي دمر القرية وشيد مستوطنة اخرى باسم “كفارهيوشع ” وبسبب تدمير القرية سيطرة اليهود على السكة الحديدية المارة من القرية والتي تُوصل بين حيفا و درعا .

ويتحول الامر الى ظاهرة ملعونة تصيب القرى الفلسطينية ، فتدمر قرية شطة غرب بيسان عام 1935 لتدفَن اسفل قلعة يهودية سموها ” بيت هيششاتا ”  . و يتقلص عدد العرب في قرية جباتا والتي كان يمر منها ايضا خط سكك الحجاز وخط انابيب نفط العراق لتصبح قرية يهودية عام 1936 . و في عام 1938 شيد اليهود مستوطنة باسم ” حانيتاه” بجانب قرية حانوتا التي ًأُبتُلعت اراضيها شيئا فشيئاً حتى اصبحت حقا لليهود .

ولم يكن هدف الحركات الصهيوينة التي تشتري الاراضي من الاقطاعين هو بناء المستوطنات على اراضي الفلسطينين فقط ، بل الهدف الاكبر هو طمس هوية القرى ، فقام الصندوق القومي اليهودي بشراء خِربة ام التوت ــ وليست قرية ام التوت الحالية في جنين ــ الواقعة جنوب حيفا وسلب جميع اثارها بعد تدميرها دون بناء اي شيء عليها . توسعت نفوذ اليهود حتى اصبحت حوالي 90% من اراضي سهل مرج بن عامر ملكا لهم .

اما السؤال الذي يجب ان يطرح هو اين هاجر سكان مرج بن عامر الاصليين قبل نكبة الـ 48 ؟

انتقل معظم سكان القرى المندثرة قبل النكبة الى المدن الرئيسية مثل حيفا والناصرة و جنين ، الا ان معظمهم هاجر الى المنفى و خصوصا الى البرازيل و الولايات المتحدة الامريكية ، فمع تزامن هجرة اليهود الى فلسطين وتحريضهم لامتلاك الاراضي هناك ، كانت تنشر في الصحافة الفلسطينية تحت سيطرة الانتداب البريطاني اعلانات تشجع الفلسطينيين للهجرة الى الخارج .فمثلاً كثَّفت شركة  “اللويد تريستينو”   الايطالية للنقل البحري اعلاناتها في جريدة فلسطين تحت عنوان  ” اعلان يهم المهاجرين ” عام 1926 . ينص الاعلان على خفض تكاليف السفر في البواخر من فلسطين الى القارة الامريكية .

 

 

كما يبدو ، كان الحل بالنسبة للدول الاوروبية لمشكلة المسالة اليهودية هو تحريض اليهود بمساعدة جمعيات صهيونية للانتقال في البواخر الى فلسطين بالتزامن مع تشجيع هجرة الفلسطينيين ايضا عبر البواخر، فمنذ عام 1882 والهجرة الفلسطينية تتفاقم حتى حرب الـ48 لتمتد النكبة بين المدن والقرى الفلسطينية لتستمر الى اليوم .

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليق